في سوريا، أصبح "الاسم المطلوب" مصدر فخر بدلاً من الخوف تحت حكم نظام الأسد السابق، كان اسمك على قائمة المطلوبين يعني الخوف والخطر. أما اليوم، بات السوريون يتباهون بوجود أسمائهم على هذه القوائم كدليل على شجاعتهم ومقاومتهم للقمع.
من الخوف إلى الفخر: تحول في معنى "الاسم المطلوب"
عندما عاد الصحفي السوري كاظم توجان إلى سوريا مؤخرًا بعد غياب دام 12 عامًا، لم يتردد في السؤال عند نقطة التفتيش في مطار دمشق: "هل لدي اسم؟"، أي هل أدرجني النظام السابق ضمن قوائم المطلوبين. عندما أكد له الموظف أنه مطلوب من قبل "فرع 235"، وهو أحد فروع المخابرات المعروفة، ابتسم وكأنه تلقى خبرًا سارًا.
يقول توجان :
"اليوم، كل سوري يسأل بشكل روتيني: ‘هل كنت مطلوبًا؟’ وأي شخص اعتقلته أو طاردته حكومة الأسد يُعتبر مصدر فخر."
قائمة المطلوبين تحت حكم الأسد: رمز للخوف
لأكثر من خمسة عقود، حكمت عائلة الأسد سوريا بالرعب. كان مجرد وجود اسمك على قائمة المطلوبين لواحد من فروع الاستخبارات أو الأمن العسكري كفيلًا بإرسالك إلى شبكة السجون الشهيرة حيث كان التعذيب والإعدام أمرًا شائعًا. كان هذا المصطلح يُعرف في سوريا بـ"الاسم المطلوب".
لكن الأمور تغيرت تمامًا بعد سقوط النظام. الآن، يتساءل السوريون بفخر خلال زياراتهم لمكاتب الجوازات أو عند الحدود: "هل لدي اسم؟". إذا كانت الإجابة بنعم، فإنهم يشاركون الخبر بفخر على وسائل التواصل الاجتماعي كدليل على مقاومتهم للاضطهاد.
الشعار الجديد للمقاومة: "إذا نقدني ناقص، فهو شهادة بكمالي"
يستشهد العديد من السوريين الذين كانوا مطلوبين سابقًا ببيت شعري من القرن العاشر للمتنبي يقول:
"إن كان من نقده لي نقصه، فالذي يمدحني كامل."
كان النظام السابق يلاحق أي شخص يمكن أن يشكّل تهديدًا حقيقيًا، مثل المتظاهرين المناهضين للحكومة أو المقاتلين المسلحين، لكنه أيضًا استهدف المدنيين الذين ارتكبوا "جرائم" بسيطة مثل إلقاء نكتة سياسية بين الأصدقاء، أو حمل العملات الأجنبية، أو حتى الإقامة في الخارج لفترات طويلة.
كانت الغالبية العظمى من المطلوبين رجالًا، بسبب تجنبهم الخدمة العسكرية الإجبارية أو مشاركتهم في القتال ضد النظام. لكن النساء وحتى الأطفال لم يكونوا بمنأى عن القوائم.
العودة إلى الوطن: فرصة للاستفسار عن الاسم
عندما عاد تمير تركمان (35 عامًا) إلى سوريا لأول مرة منذ سنوات، لم يسأل الموظفين عند عبوره الحدود التركية عن حالته الأمنية السابقة. لكن عندما غادر البلاد عبر الحدود اللبنانية، فاجأه موظف الجوازات بسؤاله:
"ماذا فعلت حتى تطاردك عدة فروع من النظام؟"
يضحك تركمان ويقول:
"كنت أعلم أنني مطلوب لأن السلطات هددت أقاربي في حمص لدفعي لتسليم نفسي أو التوقف عن توثيق انتهاكات حقوق الإنسان."
كان تركمان قد أسس "أرشيف الثورة السورية"، وهو قاعدة بيانات ضخمة تضم مقاطع فيديو وصورًا ووثائق حول النزاع السوري. وقد كان مطلوبًا من قبل عدة فروع أمنية وعسكرية.
عند مغادرته، طلب من الموظف التقاط صورة للشاشة التي تعرض ملفه الأمني وشاركها على إنستغرام. جاءت التعليقات مليئة بالتهنئة والفخر.
ازدحام في مكاتب الجوازات: البحث عن الاسم
في مكتب الهجرة والجوازات بمدينة حلب، كانت الطوابير طويلة وممتدة. الرجال والنساء يقفون في طوابير طويلة لتحديث جوازاتهم، استبدال بطاقات الهوية الوطنية المفقودة، أو التحقق مما إذا كانوا مطلوبين سابقًا.
على الطابق الثاني، يعمل أحمد رحيم (موظف في قسم الأرشيف منذ 15 عامًا) على تشغيل عمليات البحث على الكمبيوتر. يقدم شخص قضى 12 عامًا خارج سوريا بطاقته الشخصية. على الشاشة، يظهر أنه كان مطلوبًا بسبب تجنبه الخدمة العسكرية – تهمة كانت ستؤدي به إلى السجن أو القتال في خطوط الجبهة قبل شهرين فقط.
يقول رحيم للشخص:
"لا يوجد شيء عليك يا سيدي."
ويضيف لاحقًا أنه لا يذكر هذه المعلومات إلا إذا سُئل، لتجنب القلق بشأن أي تداعيات مستقبلية.
تجربة شخصية: "الأمر مضحك بالنسبة لنا"
في فبراير الماضي، كان فؤاد سيد عيسى ، مؤسس منظمة خيرية سورية تُدعى "منظمة البنفسج"، يغادر مطار دمشق متوجهًا إلى تركيا، حيث عاش أثناء الحرب. عندما كان الموظف يفحص جواز سفره، سأل عيسى بابتسامة:
"هل أنا مطلوب؟"
فرد الموظف:
"نعم، أنت مطلوب من قبل عدة فروع أمنية."
يضحك عيسى ويعلق:
"بالنسبة لنا، هذه الأمور تبدو مضحكة الآن. كانوا يلاحقوننا وكأننا إرهابيون."
مستقبل القوائم: بين العفو والمحاسبة
صرح خليل عبد الله ، مسؤول في وزارة الداخلية السورية، بأن الحكومة الجديدة لن تلاحق الأفراد بسبب التهم المتعلقة بالخدمة العسكرية أو الاحتياطية، لكنها ستحترم الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم المدنية.
تبقى هذه القوائم دليلًا تاريخيًا يمكن استخدامه في المستقبل لتحقيق العدالة والمحاسبة على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق. وبينما يبحث السوريون عن أسمائهم بفخر، فإن هذه اللحظات تعكس التحول الكبير الذي تشهده البلاد.
كتب هذا التقرير الصحفية رجا عبد الرحمن ، التي تسلط الضوء من خلاله على التحولات الاجتماعية والسياسية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. يعكس التقرير بأسلوبه الوصفي والتحليلي تفاصيل مشهد إنساني فريد، حيث يتحول الخوف إلى فخر، ليروي قصصًا عن شجاعة السوريين وصمودهم في وجه القمع.