كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن وثائق سرية مسربة تُظهر كيف حاول جهاز الاستخبارات السوري، الذي كان يُعتبر أحد أعمدة النظام، التعامل مع التحولات السريعة على الأرض في الأيام الأخيرة قبل انهيار نظام بشار الأسد. الوثائق، التي تم العثور عليها في ديسمبر/كانون الأول 2024 داخل أحد المباني الحكومية، ترسم صورة واضحة عن حالة الذعر والارتباك التي سيطرت على قلب النظام الأمني الذي حكم سوريا لعقود.
تقرير الاستخبارات الأخير: فشل في احتواء المعارضة
وفقًا للصحيفة، فإن تقريرًا استخباراتيًا مكونًا من خمس صفحات وصل إلى مكاتب ضباط الاستخبارات العسكرية في دمشق بعد أيام من الهزيمة الكارثية للجيش السوري في مدينة حلب. التقرير يوضح كيف تعرضت القوات النخبوية، التي أُرسلت لتعزيز الدفاعات في المدينة، لتراجع غير متوقع، مما أدى إلى انسحاب الجنود في حالة من الفوضى، تاركين وراءهم أسلحة ثقيلة ومركبات عسكرية.
هذه الوثائق تسلط الضوء على تفكك النظام الاستبدادي الذي حكم سوريا لعقود. وعلى الرغم من محاولات النظام إظهار الثقة في تصريحاته الرسمية، إلا أن الاتصالات الداخلية كشفت عن حالة من الذعر المتزايد بين صفوف القوات الموالية له.
تحذيرات استخباراتية ومخاوف من تدخل أجنبي
تشير إحدى الوثائق إلى تحذيرات استخباراتية من أن مقاتلي المعارضة قد يستخدمون أساليب التمويه، مثل التنكر بزي قوات النظام وحمل صور بشار الأسد، لاختراق الخطوط الأمامية. كما عكست الوثائق تصاعد المخاوف من التدخل الأجنبي، خاصة مع ضعف قبضة النظام على الأرض.
في تقرير صدر بتاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني، حذر الجهاز الأمني من تنسيق محتمل بين جماعات المعارضة المسلحة في الشمال وخلايا نائمة في الجنوب ومحيط دمشق. التقرير دعا إلى تكثيف المراقبة وتعزيز الإجراءات الأمنية لمواجهة هذه التهديدات.
مع تصاعد الضغط العسكري، اقترحت تقارير استخباراتية شن هجوم مفاجئ على مؤخرة قوات "هيئة تحرير الشام" في إدلب لإحداث حالة من الفوضى وتخفيف الضغط عن القوات السورية في حماة. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الخطة، وفقًا لما جاء في الصحيفة.
تركيز استخباراتي على أمن دمشق
مع استمرار المعارضة في تحقيق المكاسب، تحول تركيز الاستخبارات نحو حماية العاصمة دمشق. الوثائق تشير إلى رصد تحركات النازحين القادمين من مناطق سيطرة المعارضة إلى ضواحي دمشق، مع تحذيرات من احتمال تشكيلهم خلايا نائمة تعمل ضد النظام.
أفادت تقارير استخباراتية بأن "هيئة تحرير الشام" أعطت أوامر لعملائها في ريف دمشق بالاستعداد للتحرك. وفي 5 ديسمبر/كانون الأول، كشفت إحدى الوثائق أن مخبرًا من المعارضة المدعومة أمريكيًا، متمركزًا قرب الحدود الأردنية، أبلغ الاستخبارات السورية أن الولايات المتحدة أمرتهم بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر.
الساعات الأخيرة قبل انهيار النظام
مع اقتراب المعارضة من دمشق، بدأت المعلومات الاستخباراتية تتدفق بشكل محموم حول أماكن وجود المقاتلين. أشار مخبرون إلى تجمع عناصر مسلحة ودبابات في مزرعة دواجن، بينما كشفت تقارير أخرى عن استخدام "هيئة تحرير الشام" لكهف في ريف إدلب كمقر عمليات.
عشية سقوط النظام، توقعت إحدى الوثائق وصول المعارضة إلى ضواحي دمشق خلال يومين والاستيلاء على سجن صيدنايا. وعلى الرغم من أن التقدير الزمني كان غير دقيق، إلا أن التنبؤ أثبت صحته لاحقًا، حيث اقتحمت قوات المعارضة السجن وأطلقت سراح المعتقلين بعد ساعات من فرار الأسد، وفقًا للصحيفة.
الولاء حتى اللحظات الأخيرة
تختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن عناصر الاستخبارات السورية ظلوا أوفياء للنظام حتى اللحظات الأخيرة، محاولين منع انهياره. تُظهر الوثائق الأخيرة عبارة موجزة تعكس إصرار النظام على الاستمرار رغم الانهيار الوشيك: "للمراجعة والقيام بما يلزم".
تحليل: ماذا تعني هذه الوثائق؟
تكشف الوثائق المسربة عن مدى الضعف الذي أصاب نظام الأسد في أيامه الأخيرة، حيث فشل جهاز استخباراته الضخم في فهم الديناميكيات الميدانية واحتواء التقدم السريع للمعارضة. كما تعكس الوثائق حالة من الذعر وعدم اليقين داخل النظام، الذي كان يعتمد تاريخيًا على القوة الأمنية والقمع لتحقيق الاستقرار.
إلى جانب ذلك، تسلط الوثائق الضوء على الدور المحوري الذي لعبته التدخلات الأجنبية، سواء من خلال دعم المعارضة أو عبر الضغوط السياسية والعسكرية، في تسريع انهيار النظام. وبينما يبقى مستقبل سوريا غامضًا، تُظهر هذه الوثائق أن نهاية نظام الأسد كانت نتيجة لتراكم سنوات من الأزمات والصراعات الداخلية والخارجية.