في خطوة لافتة وغير مسبوقة، سحبت روسيا جزءًا من معداتها العسكرية من قاعدتها البحرية في مدينة طرطوس السورية، وفق ما كشفته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في تقرير نُشر يوم الخميس 30 كانون الثاني/يناير. يشير هذا التحرك إلى احتمال تقليص الوجود العسكري الروسي في المنطقة، وينبئ بتغيرات استراتيجية محتملة في السياسة الروسية تجاه سوريا.
انسحاب المعدات بعد انهيار نظام الأسد
تأتي هذه الخطوة بعد انهيار نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث أفادت التقارير بتحرك قوافل عسكرية روسية كبيرة شمالًا باتجاه الميناء. وقد تم توثيق هذه التحركات عبر صور تم التحقق منها، والتي أظهرت انتقال عدد من المركبات والحاويات المحملة بالعتاد بعيدًا عن الميناء.
الصور الفضائية أكدت أن الحاويات والمركبات التي كانت متواجدة في الميناء اختفت بعد مغادرة سفينتين روسيتين، هما "سبارتا" و"سبارتا 2"، واللتان تعود ملكيتهما لشركة "أوبورونلوجيستيكا المحدودة"، وهي شركة شحن تعمل تحت مظلة وزارة الدفاع الروسية. الجدير بالذكر أن هذه الشركة تخضع لعقوبات أمريكية، مما يعكس التوترات الدولية المحيطة بهذه العملية.
إلغاء عقد استثمار مرفأ طرطوس
في تطور موازٍ، ألغت الحكومة السورية الانتقالية في 24 كانون الثاني/يناير عقد استثمار مرفأ طرطوس مع شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، وهو ما زاد من القلق بشأن مستقبل التعاون بين الحكومتين. كان هذا العقد يمثل ركيزة أساسية في العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا والنظام السوري، وبالتالي فإن إلغاؤه يُعتبر مؤشرًا على تراجع الدور الروسي في البلاد.
أنشطة غير عادية للسفينتين الروسيتين
من جهة أخرى، أظهرت صور الأقمار الصناعية وجود نشاط غير عادي حول مناطق رسو السفينتين "سبارتا" و"سبارتا 2". فبعد دخولهما الميناء، توقفت أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بهما عن العمل، وهو أمر يثير تساؤلات حول طبيعة العمليات التي كانت تجريها السفينتان. وفقًا لمعايير "المنظمة البحرية الدولية" (IMO)، يُطلب من جميع السفن التي تزن أكثر من 300 طن بث إشاراتها بشكل مستمر. ومع أن التوقف عن بث الإشارات قد يكون لأسباب مشروعة، إلا أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) أعرب عن قلقه من أن ذلك قد يشير إلى محاولات لإخفاء أنشطة غير قانونية.
تحليل الخطوة الروسية
يأتي هذا الانسحاب الجزئي في وقت حساس للغاية بالنسبة لروسيا، حيث تواجه ضغوطًا دولية متزايدة بسبب دورها في سوريا. كما أن انهيار نظام الأسد وضع موسكو أمام تحديات جديدة، إذ يبدو أن روسيا تعيد تقييم استراتيجيتها في المنطقة.
سحب المعدات العسكرية قد يكون مدفوعًا بعدة عوامل، منها:
التكلفة الاقتصادية: مع تزايد الضغوط الاقتصادية على روسيا بسبب العقوبات الدولية، قد تكون موسكو تسعى لتقليل نفقاتها العسكرية في الخارج.
تغير الأولويات الاستراتيجية: ربما ترى روسيا أن بقاء قواتها في سوريا لم يعد يقدم لها نفس العائد السياسي أو الاستراتيجي الذي كان عليه في السابق.
التوترات الدولية: الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة وحلف الناتو، قد تكون دفعت روسيا لإعادة النظر في حجم وجودها العسكري في سوريا.
مستقبل الوجود الروسي في سوريا
على الرغم من أن روسيا لم تعلن رسميًا عن تقليص دائم لوجودها العسكري في سوريا، إلا أن هذه الخطوة قد تكون بداية لتغييرات أكبر. يبقى السؤال المطروح: هل ستواصل موسكو الاستثمار في سوريا أم أنها بدأت بالتراجع تدريجيًا عن التزاماتها هناك؟
في ظل هذه التطورات، تزداد أهمية مراقبة الخطوات المستقبلية التي ستتخذها روسيا، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، لفهم توجهاتها الاستراتيجية في المنطقة. ومع ذلك، يبدو أن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الإجابات حول مستقبل العلاقة بين روسيا وسوريا، وسط تغيرات جيوسياسية متسارعة.